فصل: مسألة ما جاء في سلمان الخير:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة إشفاق ابن عمر من قتل عثمان:

فيما بلغ إليه إشفاق ابن عمر من قتل عثمان قال: وسمعت مالكا يحدث: أن رجلا أهدى إلى عبد الله بن عمر صرة فيها جوارش، فقال له ابن عمر: ما هذه؟ قال: جوارش، إذا أكلت فكظك الطعام أكلته على إثره، فقال له ابن عمر: والله ما شبعت منذ قتل عثمان.
قال محمد بن رشد: حق لعبد الله بن عمر في فضله وخيره أن يبلغ الإشفاق منه من قتل عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هذا المبلغ، فإنه كان حدثا عظيما في الإسلام، لم يكن قبله ولا بعده مثله على ما سبق في أم الكتاب، وأنذر به النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ، وبالله التوفيق.

.مسألة احتجاب النساء من الرجال:

في احتجاب النساء من الرجال قال: وسمعت مالكا يحدث أن عائشة زوج النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ دخل عليها رجل أعمى وأنها احتجبت منه، فقيل لها: يا أم المؤمنين إنه أعمى لا ينظر إليك؟ فقالت: ولكني أنظر إليه.
قال محمد بن رشد: قد روي «عن أم سلمة أنها كانت عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع ميمونة. قالت: فبينما نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم، فدخل عليه، وذلك بعد أن أمر بالحجاب، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احتجبا منه، فقلنا: يا رسول الله، أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟» وهذا خاص في أزواج النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ، بخلاف غيرهن من النساء، والله أعلم، بدليل «قول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ لفاطمة بنت قيس: اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك» فيصح للمرأة أن تنظر من الرجل الأجنبي إلى ما يصح للرجل أن ينظر إليه من ذوات محارمه، وقد قيل: إنه لا يصح للمرأة أن تنظر من الرجل إلا إلى ما يصح للرجل أن ينظر منها، على فعل عائشة في احتجابها من الرجل الأعمى، وعلى ظاهر قول الله عز وجل؛ لأنه قال: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31] كما قال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30]، وليس ذلك بصحيح إذ قد بينت السنة في حديث فاطمة بنت قيس أن النساء في ذلك بخلاف الرجال، فتنظر المرأة من الرجل الأجنبي إلى ما ينظر إليه الرجل من ذوات محارمه، وتنظر المرأة من الرجل من ذوي محارمها إلى ما ينظر إليه الرجل من الرجل.
وكذلك تنظر المرأة من المرأة إلى ما ينظر إليه الرجل من الرجل، وقد زدنا هذا المعنى بيانا في الجامع من مختصر الطحاوي، وبالله التوفيق.

.مسألة مناغاة من باد من أهل الخربة على سبيل الاعتبار:

في مناغاة من باد من أهل الخربة على سبيل الاعتبار قال: وسمعت مالك يحدث أن عامر بن عبد القيس كان يمر بالخربة فينادي فيها: يا خربة أين أهلك؟ مرارا، ثم يقول: بادوا وعامر بالإثر.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين ليس فيه ما يشكل، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة ترك أكل طيب الطعام مخافة العادة:

في ترك أكل طيب الطعام مخافة العادة قال مالك: بلغني أن عمر بن العزيز قدم طعاما ورجل قاعد يأكل معه، فأخذ الرجل يبطئ في الأكل وعمر يأكل، فقال له: ألا تأكل؟ فقال: إن ثم طعاما غيره، يريد الطعام الذي يعمل للناس، ويريد أنه أطيب، فأنت لا تأكل؟ فقال عمر: لو أكلت منه ما رأيت علي شيئا، ولكن لا أحب أن أعود نفسي.
قال محمد بن رشد: هذا من نحو قول عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إياكم واللحم، فإن له ضراوة كضراوة الخمر، فإنما نهى عمر ابن الخطاب عن اللحم، وترك عمر بن عبد العزيز أكل الطيب من الطعام مخافة أن يضرى ذلك، فيصير له عادة، لا من أجل أن ذلك يكره إذ لا أجر في مجرد ترك لباس الحسن من اللباس وأكل الطيب من الطعام؛ لقول الله عز وجل: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32]، وإنما يؤجر في ترك ذلك إذا تركه ابتغاء معنى من الخير يقصده بذلك وينويه به، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة ما جاء في سلمان الخير:

قال: وسمعت مالكا يحدث: أن سلمان الخير خرج يطلب الدين قبل الإسلام، وأنه سبي بالشام فاستخدم ثم هرب فأخذ بوادي القرى فاشتري واستخدم ثم جلب إلى المدينة فبيع فابتاعه رجل من الأنصار، فكاتبه على مائتي ودية يغرسها ويقوم عليها حتى تبلغ، فقدم النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ على إثر ذلك المدينة، فأتى النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ فأخبره بذلك، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا أردت أن تغرسها فأتني فأعلمني»، فلما أراد أن يفعل أتاه فأعلمه، فذهب معه فبرك له فيها، فما مات منها ودية واحدة، ثم أتي النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ بشيء فيه ثمر أو رطب، فقال له النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «ما هذا؟ فقال له: صدقة، فقال له النبي صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه: إني لا أقبل الصدقة»، فرجع به، ثم أقام ما شاء الله ثم أتاه الثانية بمثله، فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما هذا؟ قال: هو هدية، فأخذه النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ منه» وكان ذلك من سلمان اختبارا للنبي عَلَيْهِ السَّلَامُ في صفته، كأنه إنما أراد بذلك الاختبار في صفته.
قال مالك: وكان سلمان بالعراق يعمل بيده الحوص فيعيش منه ولا يقبل من أحد شيئا، وإنه لم يكن له بيت، وإنما كان يستظل بظل الجدار، وإن رجلا قال له: أبني لك بيتا، قال له: ما لي به حاجة، فما زال الرجل يردد ذلك عليه ويأبى ذلك عليه، حتى قال له الرجل: أنا أعرف البيت الذي يوافقك، قال: فصفه لي، قال: أبني لك بيتا إذا قمت فيه أصاب سقفه رأسك، وإذا أنت مددت فيه رجلك أصابت حائطه، قال: نعم، فبناه له.
قال محمد بن رشد: سلمان الخير هذا هو سلمان الفارسي، ويعرف بسلمان الخير، يكنى أبا عبد الله، ويقال: إنه مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. روي من وجوه أنه اشتراه على العتق، أصله من فارس، وكان إذا قيل له: ابن مَنْ أنت؟ قال: أنا سلمان ابن الإسلام. وروي عنه أنه قال: كنت من أبناء أساورة فارس. وكان يطلب دين الله ويتبع من يرجو ذلك عنده، فدان بالنصرانية وغيرها، وقرأ الكتب وصبر في ذلك على مشقات نالته. وروي: أنه تداوله في ذلك بضعة عشر ربا، من رب إلى رب حتى أفضى إلي النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَنَّ الله عليه بالإسلام، وكان خيرا فاضلا عالما زاهدا، دخل عليه قوم وهو أمير على المدائن بالعراق، وهو يعمل الخوص، فقيل له: لم تعمل هذا وأنت أمير يجري عليك رزق؟ فقال: إني أحب أن آكل من عمل يدي، وكان تعلم عمل الخوص بالمدينة عند بعض موالي الأنصار، وكان إذا خرج عطاؤه تصدق به، وكانت له عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها، وأول مشاهده الخندق، وهو الذي أشار بحفره، فقال أبو سفيان وأصحابه؛ إذ رأوه: هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها، وقد قيل: إنه شهد بدرا وأحدا، والأكثر أن أول مشاهده الخندق، ولم يفته بعد ذلك مشهد مع النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وقال فيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لو كان الدين بالثريا لناله سلمان»، وفي رواية أخرى: «لنالته رجال من فارس»، وروي عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ أنه قال: «أمرني ربي بحب أربعة، أخبرني أنه يحبهم: علي، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان»، وروي عن علي أنه قال: سلمان الفارسي مثل لقمان الحكيم، وتوفي سلمان رَحِمَهُ اللَّهُ في آخر خلافة عثمان سنة خمس وثلاثين، وقيل: بل توفي في أول سنة ست وثلاثين، وقيل: بل توفي في خلافة عمر، والأول أكثر، وبالله التوفيق.

.مسألة سكنى المقابر للاعتبار:

في سكنى المقابر للاعتبار قال مالك: بلغني أن رجلا سكن القبور، وأنه كلم في ذلك، فقال: إن لي جيران صدق ولا يؤذونني، وإن لي فيهم عبرة.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين لا وجه للقول فيه، وبالله التوفيق.

.مسألة ما كان عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ترك التنعم بالمطاعم الطيبة:

في ما كان عليه عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ من ترك التنعم بالمطاعم الطيبة قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب قال: آكل مما يأكل الناس وأشرب مما يشرب الناس وأستبقي دنياي لآخرتي، وذلك حين أحدث الناس الخبيص الأحمر والأخضر، قال مالك: وكان عمر لا يأتيه مال إلا أظهره، ولا رسول إلا أنزله.
قال محمد بن رشد: المعنى في قول عمر بن الخطاب حين أحدث الناس الخبيص الأحمر والأخضر: آكل مما يأكل الناس وأستبقي دنياي لآخرتي، أي: لا أتنعم في مالي بأكل المطاعم الطيبة، فيكون ذلك سببا إلى أن أشح على فعل الخير منه الذي أجده في آخرتي، يبين ذلك قوله لجابر بن عبد الله، إذ أدركه ومعه حمال لحم، فقال: ما هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين قرمنا إلى اللحم، فاشتريت لحما بدرهم، أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه عن جاره وابن عمه، أين تذهب هذه الآية عنكم: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: 20]؟ لأن الأجر ليس هو في مجرد شح الرجل على نفسه بما له في ترك أكل المطاعم الطيبة منه؛ لأن الله عز وجل يقول: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32]، وإنما هو في تركه ذلك ليواسي به ويفعل الخير منه، وقد روي عنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قال: لو شئت كنت أطيبكم طعاما وألينكم لباسا، ولكني أستبقي طيباتي. ومعناه: أستبقيها لأوثرها غيري فأجد ذلك في آخرتي، فآكل الطيب من الطعام من المباح الذي لا وزر في فعله ولا أجر في مجرد تركه، وإذا لم يصرف الغني شيئا من ماله إلا في استمتاعه به في أكل الطيبات ولباس لين الثياب فالفقر خير له من الغنى إذا شكر الله عليه كما يشكره على الغنى، وذكر أن عمر بن الخطاب لما قدم الشام صنع له طعام لم ير مثله، فقال: هذا لنا، فما لفقراء المسلمين الذين باتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير؟ فقال خالد بن الوليد: لهم الجنة، فاغرورقت عينا عمر بن الخطاب، فقال كلاما معناه: لئن كان حظنا من الدنيا الاستمتاع بحطامها، وذهبوا بالجنة لقد باينونا بونا بعيدا.
وسيرته رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في أنه كان لا يأتيه مال إلا أظهره ولا رسول إلا أنزله- هي سيرة أهل العدل، وقد أوصى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال في وصيته: وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وبالله التوفيق.

.مسألة الخصام لذي الهيئة وإتيان أبواب الأمراء:

في كراهية الخصام لذي الهيئة وإتيان أبواب الأمراء قال مالك: بلغني أن عمر بن عبد العزيز عاتب رجلا له قدر في الحال، في خصومة خاصم فيها، فقال: إن لك قدرا وحالا، فلا أحب لك أن تخاصم، فإن ذلك مما يعيبك، قال مالك: يحضر فيحجب ويتنزه وينتهره الحرس ويجبر، وهذه مذلة لذوي الهيئة، وقال مالك: بلغني أن أبا الدرداء قيل له: تأتى باب معاوية فيحبسك ويصفحك؟ قال: اللهم غفرا، من يأت أبواب الأمراء يقول ويقعد.
قال محمد بن رشد: معنى يصفحك يمنعك ويحرمك، يقال صفحت الرجل إذا أعطيته، وأصفحته إذا منعته وحرمته، وفي الحديث: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في سائل منعه بعض أهله: «لعلكم أصفحتموه»، والمعنى فيما قاله عمر بن عبد العزيز وأبو الدرداء بَيِّنٌ لا يفتقر إلى كلام، وبالله التوفيق.

.مسألة هل الهد في القرآن أو الترتيل أفضل:

في الأفضل، هل الهد في القرآن أو الترتيل أفضل وسئل مالك: عن الهد في القرآن؟ فقال: من الناس من إذا هد كان أخف عليه، وإن رتل أخطأ، ومن الناس من لا يحسن يهد، والناس في ذلك على حالهم فيما يخف عليهم، وذلك واسع.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله من أنه من لم يقدر على الهد رتل، ومن لم يقدر على الترتيل هد، وأما من كان يقدر على الوجهين جميعا فالترتيل له أفضل؛ لقول الله عز وجل: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} [المزمل: 4]، وفي الموطأ: وقد أتى رجل زيد بن ثابت، فقال له: كيف ترى في قراءة القرآن في سبع، فقال له: حسن، ولأن أقرأه في نصف شهر أو عشرين أحب إلي، وسلني: لم ذلك؟ قال: فإني أسألك، قال: لكي أتدبره عليه.

.مسألة ما أحله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو حرمه:

في ما أحله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو حرمه، وفي مناداته لقرابته قال مالك: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في اليوم الذي مات فيه: «لا يمسك الناس علي شيئا، إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه، ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه، يا فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويا صفية عمة رسول الله، اعملا لما عند الله، فإني لا أغني لكما من الله شيئا».
قال محمد بن رشد: يشهد بصحة هذا الحديث من قوله: لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه، ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه- قول الله عز وجل في كتابه: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] وقَوْله تَعَالَى فيه: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، إلا أن منه نصا جليا ومنه مجملا متشابها خفيا، فبين النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ ما أجمله الله في كتابه من الحلال والحرام وجميع الأحكام. كما أمره الله تعالى في كتابه حيث يقول: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].
وإنما نادى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنته فاطمة وعمته صفية بما ناداهما به لما أمره العشائر به من قوله عز وجل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، وقد اختلف في تعيين عشيرته الأقربين الذين أمره الله بمناداتهم في هذه الآية وجعل لهم حقا في الفيء وخمس الغنيمة، وحرم عليهم الصدقة على سبعة أقوال قد ذكرناها محصلة مبينة في مسألة أفردناها لذكر ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة ضنانة عبد الله بن عمر بنافع مولاه:

في ضنانة عبد الله بن عمر بنافع مولاه قال مالك: بلغني أن عبد الله بن عمر أتى عبد الله بن جعفر ومعه نافع مولى عبد الله بن عمر، فقال له: بعني هذا، قال: فكان عبد الله بن عمر بعد ذلك يقول لنافع: لا تأت معي، قال مالك: يخاف أن يفتنه بما يعطيه فيبيعه إياه، فلما خاف أمره ألا يأتي معه.
قال محمد بن رشد: قد بين مالك معنى نهيه إياه أن يأتي معه إليه، ويحتمل أن يكون خاف أن يعيد سؤاله إياه ذلك فلا يجيبه إليه فيجد في نفسه من ذلك عليه، إذ كان عبد الله بن عمر والله أعلم ممن لا يفتتن فيه بكثرة الثمن، وبالله التوفيق.

.مسألة قول عبد الله بن أبي ابن سلول لسعد بن معاذ حين حكم في بني قريظة:

في قول عبد الله بن أبي ابن سلول لسعد بن معاذ حين حكم في بني قريظة قال: وسمعت مالكا يقول: قال عبد الله بن أبي ابن سلول لسعد بن معاذ في بني قريظة: إنهم أحد جناحي، وإنهم ثلاثمائة ذارع وستمائة حاسد، فقال له سعد: قد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم.
قال محمد بن رشد: لما ذهبت الأحزاب في غزاة الخندق ورجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووضع الناس سلاحهم عند صلاة الظهر، أتاه جبريل في صفة دحية الكلبي على بغلة عليها قطيفة، فقال له: إن كنتم وضعتم سلاحكم فإن الملائكة لم تضع سلاحها، والله يأمرك أن تخرج إلى بني قريظة، وإني متقدم إليهم فمزلزل بهم، فنادى منادي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من كان سامعا مطيعا فلا يصل العصر إلا في بني قريظة»، فحاصرهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسا وعشرين ليلة حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ، فحكم فيهم أن يقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى النساء والذراري، فقتل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيي بن أخطب وكعب بن أسد، قيل: في ستمائة أو سبعمائة استنزلهم، ثم قتلهم بالمدينة، واصطفى من نسائهم عمرة بنت قحافة، ولم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة، وهي نباتة امرأه الحكم القرظي التي طرحت الرحى على خلاد بن سويد فقتلته. روي عن عائشة أنها قالت: إن كانت لعندي تضحك وتحدث، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقتل رجالهم، إذ هتف هاتف:
أين فلانة؟ قالت: أنا والله مقتولة، قلت: ويلك لم؟ قالت: لحدث أحدثته فانطلق بها فضرب عنقها، وبالله التوفيق.

.مسألة أعتق أبو بكر الصديق سبعة كلهم يعذب في الله:

في أن أبا بكر أعتق سبعة كلهم يعذب في الله قال مالك: أعتق أبو بكر الصديق سبعة كلهم يعذب في الله.
قال محمد بن رشد: منهم بلال بن رباح المؤذن، كان يعذب على دينه، فروي أن أبا جهل قال له: أنت تقول أيضا فيمن يقول، فأخذه فبطحه على وجهه وسلقه في الشمس، وعمد إلى رحى فوضعها عليه، فجعل يقول: أحد أحد، وكان على ما روي: إذا أراد المشركون أن يقاربهم، قال: الله الله، قال: فلقي النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ أبا بكر، فقال: «لو كان عندنا اشترينا بلالا»، فلقي أبو بكر العباس بن عبد المطلب، فقال له: اشتر لي بلالا، فاشتراه العباس من سيده، فبعث به إلى أبي بكر فأعتقه، فكان يؤذن لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى مات، فلما مات صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد أن يخرج إلى الشام، فقال له أبو بكر: بل تكون عندي، فقال: إن كنت أعتقتني لنفسك فاحبسني، وإن كانت أعتقتني لله عز وجل فذرني أذهب إلى الله عز وجل، فقال: اذهب، فذهب إلى الشام، فكان بها حتى مات، وكان أمية بن خلف ممن يعذبه ويوالي عليه بالعذاب والمكروه، فكان من قدر الله أن قتله بلال يوم بدر، فقال فيه أبو بكر الصديق أبياتا منها قوله:
هنيئا زادك الرحمن خيرا فقد أدركت ثارك يا بلال

ذكر هذا ابن عبد البر في كتاب الصحابة على حسب ما أتى من ذلك في السير.
ومنهم عامر بن فهيرة، كان مولدا مرت مولدي الأزد، أسود اللون مملوكا لطفيل بن عبد الله بن شجرة، فأسلم وهو مملوك، فاشتراه أبو بكر من الطفيل فأعتقه وأسلم قبل أن يدخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم وقبل أن يدعو فيها إلى الإسلام، وكان يرعى الغنم في ثور، ثم يروح بها على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر في الغار، وكان رفيقا لهما في هجرتهما إلى المدينة، وشهد بدرا وأحدا، وقتل يوم بئر معونة، وهو ابن أربعين سنة، قتله عامر بن الطفيل، ويروى عنه أنه قال: رأيت أول طعنة طعنتها عامر بن فهيرة مورا خرج منها. وروي: أنه طلب يومئذ في القتلى فلم يوجد، فكانوا يرون أن الملائكة رفعته.
وبقية السبعة المذكورين: أم عبس، وزبيرة ويروي وزنيرة، فأصيب بصرها حين أعتقها، فقالت قريش: ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى، فقالت: كذبوا وبيت الله، ما تضر اللات والعزى ولا تنفعان، فرد الله إليها بصرها، والنهدية أعتقها وبنتها، وكانت لامرأة من بني عبد الدار، فمر بهما وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها، وهي تقول: والله لا أعتقكما أبدا، فقال أبو بكر: حل يا أم فلان، فقالت: حل؟ أنت أفسدتهما، فأعتقهما، قال: فبكم هما؟ قالت: بكذا وكذا، قال: قد أخذتهما، هما حرتان، أرجعا إليها طحينها، قالتا: أونفرغ منه يا أبا بكر، ثم نرده إليها، قال: وذلك إن شئتما.
ومر بجارية بني مؤمل حي من بني عدي بن كعب، وكانت مسلمة وعمر بن الخطاب يعذبها لتترك الإسلام وهو يومئذ مشرك وهو يضربها، حتى إذا مل، قال: إني أعتذر إليك أني لم أتركك إلا ملالة، فتقول: كذلك فعل الله بك، فابتاعها أبو بكر فأعتقها، وروي: أن أبا قحافة قال لأبي بكر: يا بني، إنك تعتق رقابا ضعافا، فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالا جلدا يمنعونك ويقومون دونك، فقال أبو بكر: يا أبي إني إنما أريد ما أريد، فيتحدث ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيه وفيما قال له أبوه: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل: 5] {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 6] إلى قوله: {وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل: 19] {إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} [الليل: 20] {وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: 21]، وبالله التوفيق.

.مسألة ما جاء في القدر:

قال: وسمعت مالكا يقول لرجل: سألتني عن القدر؟ فقال له الرجل: نعم. قال: يقول تبارك وتعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13] حقت كلمة ربك ليملأن جهنم منهم، فلابد أن يكون ما قال.
قال محمد بن رشد: هذه آية بينة في الرد على أهل القدر كما قال، وذلك لأنهم يقولون: إن الله تبارك وتعالى أمر عباده بالطاعة وأرادها منهم، ونهاهم عن المعصية ولم يردها منهم، فلم يكن ما أراد من الطاعة وكان ما لم يرد من المعصية؛ لأن العباد عندهم خالقون لأفعالهم بمشيئتهم وإرادتهم دون إرادة ربهم وخالقهم، وذلك ضلال بين وكفر صريح عند أكثر العلماء، لأنهم يلحقون العجز بالله تعالى، بأن يكون ما لا يريد ويريد ما لا يكون، والجهل به أيضا، لأنهم إذا كانوا هم الخالقون لأفعالهم بمشيئتهم فلا يعلم وقوعها منهم على قولهم حتى يفعلوها، وهذا كفر صريح وتكذيب لقوله عز وجل في غير ما آية من كتابه، من ذلك قوله عز وجل: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99]، وقوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125]، وقال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30]، وقال: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16]، وقال: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] وقال: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]، والآيات في الرد عليهم أكثر من أن تحصى وأبين من أن تخفى، وقد قال عون بن معمر: سمعت سعيد بن أبي عروة وكان يذهب مذهب أهل القدر، يقول: ما في القرآن آية أشد علي من قوله: {إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} [الأعراف: 155]، قال: فقلت: القرآن يشق عليك، والله لا أكلمك أبدا، فما كلمه حتى مات، فرحم الله عون ابن معمر، والآثار في ذلك عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ متواترة لا تحصى، من ذلك قوله: «كل شيء بقدر»، وقوله: «لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، ولتنكح فإنما لها ما قدر لها»، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره واستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون، فقال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار»، وقول آدم لموسى في حديث محاجته له: «أتلومني على أمر قد قدر عَلَيَّ قبل أن أخلق»، وقد مضى هذا كله في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب المحاربين والمرتدين لتكرار المسألة هناك، وبالله التوفيق.

.مسألة ما جاء في أن لله عبادا أهل عافية في الدنيا والآخرة:

في أن لله عبادا أهل عافية في الدنيا والآخرة قال مالك: إن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ قال: «إن لله عبادا أهل عافية في الدنيا والآخرة».
قال محمد بن رشد: المعنى في هذا الحديث بين، لأنك قد تجد الرجل يكون له المال الحلال من ميراث أو غيره، فيكون مدة حياته معافى في بدنه وماله، ويكون مع هذا من أهل الخير والصلاح، فينقلب من خير إلى خير، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة مناداة النبي عليه السلام لأهل قليب بدر من المشركين:

في مناداة النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ لأهل قليب بدر من المشركين قال مالك: «قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهل قليب بدر من المشركين: {قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} [الأعراف: 44] قالوا: يا رسول الله، إنهم أموات أفيسمعون، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنهم ليسمعون ما أقول».
قال محمد بن رشد: وقد روي أنه قال: «ما أنتم بأسمع منهم ولكن لا يجيبون»، ومن هذا المعنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الميت إذا دفن وانصرف الناس عنه: «إنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين»، وقد قيل: المعنى في ذلك أنهم ليعلمون الآن أن ما كنت أقول لهم حقا، لا أنهم يسمعون ما يقال لهم؛ لأن الله عز وجل قال: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80]، وقال: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22]، وهو قول عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، والأظهر أن يحمل الحديث على ظاهره من أنهم سمعوا ما قاله لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إذ قد علم بتظاهر الآثار أن الميت إذا مات يعاد إليه الروح ويفتن في قبره بمسائلة منكر ونكير، ويعرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال له: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إلى يوم القيامة، وقد قيل: إن الآيات المذكورات إنما وردت في الكفار على المثل بأنهم لا ينتفعون بما يسمعونه كما لا ينتفع الموتى بما يسمعونه.

.مسألة ما جاء في أهل بدر:

17-
ما جاء في أهل بدر قال مالك: بلغني أن «جبريل قال للنبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: كيف أهل بدر فيكم؟ قال: إنهم خيارنا. قال: إنهم كذلك فينا».
قال محمد بن رشد: يريد أن من شهد بدرا من الملائكة الذين أمد الله بهم نبيه عَلَيْهِ السَّلَامُ والمؤمنين حيث يقول: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ- إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ} [آل عمران: 123- 124] {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 125] هم خيار الملائكة، كما أن من شهدها منكم خياركم، وهذا نهاية في الفضل لأهل بدر، وبالله التوفيق.